
تشكل عقود العقود الآجلة أداة مالية متقدمة تتيح للمتداولين التعرض للعملات الرقمية دون الحاجة إلى امتلاك الأصول الأساسية مباشرة. وترتبط آلية تسعير العقود الآجلة بشكل وثيق بسعر السوق الفوري للأصل الأساسي، أي السعر الحالي الذي يمكن شراء أو بيع العملة الرقمية به للتسوية الفورية. إلا أن سعر التداول الفعلي للعقود الآجلة غالبًا ما يختلف عن السعر الفوري نتيجة ديناميكيات العرض والطلب الفريدة في سوق العقد. وتنتج عن هذا الاختلاف الأساسي مرجعان سعريان رئيسيان يصادفهما المتداولون في منصات تداول العقود الآجلة: السعر الأخير وسعر المؤشر. إن فهم هذين المرجعين السعريين ضروري لتحقيق إدارة مخاطر فعالة واتخاذ قرارات تداول مستنيرة.
السعر الأخير هو أحدث سعر صفقة تم تنفيذها على عقد العقود الآجلة. يتحدد هذا السعر من خلال آخر عملية تداول تمت على عقد معين، ما يجعله سعراً يعكس حركة السوق بشكل كامل. بالنسبة للعقود الدائمة مثل BTCUSD، فإن السعر الأخير يعكس نشاط التداول المستمر من قبل المتداولين على منصات العقود الآجلة.
رغم أن العقود الدائمة تتأثر بسعر الأصل الأساسي—كما في عقد BTCUSD المرتبط بالسعر الفوري للبيتكوين—إلا أنها تخضع لديناميكيات عرض وطلب مستقلة خاصة بها. وقد يؤدي هذا الاستقلال إلى انحراف السعر الأخير لعقد العقود الآجلة بشكل كبير عن السعر الفوري للأصل الأساسي. فعلى سبيل المثال، في فترات ارتفاع حجم التداول أو تغير المزاج العام للسوق، قد يبتعد سعر عقد BTCUSD بشكل ملحوظ عن السعر الفوري الفعلي للبيتكوين في السوق النقدية. وعندما يرتفع حجم التداول، تزداد حدة هذه الفروقات، بحيث يبتعد السعر الأخير أكثر عن القيمة السوقية الحقيقية للأصل.
سعر المؤشر، أو ما يُعرف بسعر تحديد القيمة السوقية، هو تقدير للقيمة العادلة للعقد ويهدف إلى عكس القيمة الاقتصادية الحقيقية للأصل الأساسي. وتكمن أهمية هذه الآلية في الحماية من خلال تقدير القيمة العادلة للأصل ومنع التصفية غير الضرورية أثناء تقلبات السوق الحادة.
تعتمد منصات العقود الآجلة الكبرى في حساب سعر المؤشر على متوسط عنصرين أساسيين: السعر الأخير للعقد والسعر الفوري للأصل الأساسي. تساعد هذه المنهجية في تسوية التحركات السعرية الشاذة وتوفر حماية ضد التلاعب السعري الذي قد يحدث عبر دفتر أوامر واحد أو منصة تداول منفردة. ومن خلال احتساب كل من السعر الفوري وسعر العقد الأخير، يمنح سعر المؤشر معياراً تقييمياً أكثر توازناً ومصداقية، ويحد من التشوهات الاصطناعية.
يؤدي سعر المؤشر وظيفتين محوريتين في سوق العقود الآجلة:
الحماية من التصفية القسرية: تُفعّل التصفية القسرية عندما يصل سعر المؤشر إلى سعر التصفية الخاص بالمركز. وتمنح هذه الطريقة حماية للمتداولين من التصفية المبكرة أو غير العادلة التي قد تنجم عن ارتفاعات سعرية مؤقتة لا تعكس السعر الفوري الفعلي للأصل الأساسي. فعلى سبيل المثال، إذا ظل سعر البيتكوين الفوري مستقراً بينما يتعرض عقد BTCUSD الدائم لانخفاض مفاجئ بسبب ضعف السيولة، يعمل سعر المؤشر كعازل لامتصاص هذا التذبذب ويمنع التصفية الفورية.
حساب الأرباح والخسائر غير المحققة: بما أن المتداولين لا يمكنهم حسم أرباحهم المحققة حتى إغلاق المركز، يُستخدم سعر المؤشر كمرجع لحساب الأرباح والخسائر غير المحققة (P&L). هذا النهج المعياري يضمن أن تبقى حسابات الأرباح والخسائر غير المحققة دقيقة ومتسقة، ويحول دون التصفية القسرية غير المبررة نتيجة تقييمات غير دقيقة.
يمكن توضيح الفرق بين السعر الأخير وسعر المؤشر من خلال تشبيه بسيط: إذا كان سعر المؤشر يمثل متوسط سعر البنزين الوطني، فإن السعر الأخير يشبه السعر في محطة وقود معينة في منطقتك. وكما تختلف أسعار البنزين من محطة لأخرى رغم توجهات السوق، قد تختلف أسعار العقود الآجلة عن السعر الفوري نتيجة لظروف السوق المحلية.
يعمل سعر المؤشر كمؤشر معلوماتي وحمائي، وليس كسعر تداول فعلي. فهو معيار موثوق لمراقبة مخاطر المراكز ويساعد المتداولين على تقييم تعرضهم الاقتصادي الحقيقي. أما السعر الأخير فهو السعر الأساسي في السوق الذي يُحدد عليه تنفيذ الصفقات لكل مستخدم.
الفرق العملي الأساسي أن سعر المؤشر غير قابل للتداول ويُستخدم كمرجع لإدارة المخاطر والتصفية، بينما السعر الأخير هو السعر الفعلي للصفقات في السوق. يجب على المتداولين فهم أن سعر المؤشر يمثل تقييماً متوسطاً ومستقراً، وليس السعر الفوري للصفقات المنفذة.
تعتمد آلية التصفية في منصات العقود الآجلة على سعر المؤشر فقط كمعيار مرجعي، إذ يوفر هذا السعر أداة تقييم أكثر استقراراً وموثوقية مقارنة بالسعر الأخير المتقلب. ويشكل سعر المؤشر، الناتج عن متوسط السعر الأخير للعقد والسعر الفوري للأصل الأساسي، إطاراً صلباً يحمي المتداولين من التصفية غير العادلة مع الحفاظ على نزاهة السوق. ومع ذلك، يجب التنبه إلى أن سعر المؤشر يمثل تقديراً متوسطاً ولا يعكس الأسعار الفعلية للصفقات المنفذة في منصة التداول. من خلال نظام السعر المزدوج هذا، توازن منصات تداول العقود الآجلة بين كفاءة السوق وحماية المتداولين، مما يضمن عدالة التقييم وممارسات التصفية في ظل تقلبات الأسواق.
يتم تحديد سعر المؤشر بناءً على العرض والطلب في السوق، وحجم التداول، والمزاج العام للسوق، وظروف السيولة، وأساسيات الأصل الأساسي. وتتم عملية اكتشاف السعر من خلال النشاط السوقي المجمع عبر مصادر متعددة، بحيث تعكس تفاعلات المشترين والبائعين في الوقت الفعلي.











